الطبيعة وشعراء الأندلس
صفحة 1 من اصل 1
الطبيعة وشعراء الأندلس
كان الشعر دائما صدى للبيئة اجتماعية كانت أو طبيعية فان الشعر الأندلسي في هذا النطاق يعتبر صوره أمينه دقيقة أنيقة لبيئة الأندلس ، وبرغم أن شعراء الطبيعة الأندلسيين بدأوا تلامذة لأساتذتهم المشارقة في أول أمرهم ، فإن ذلك لم يمنعهم من ان يجوّدوا في فنهم ويحسّنوا في أعمالهم بحيث يمكن أن نقرر أنهم أتوا بشيء جديد في موضوعات شعر الطبيعة.
ومن الطريف في الأمر أن الأندلسيين لتعلقهم بشعر الطبيعة إلى حد الشطط والهوس جعلوا يطعمون المراثي بشعر الطبيعة فبينما تقرأ مرثية لفقيد وتتوقع أن تسمع أنات محزون وغصص مكلوم إذ بك تسمع أبياتا في وصف الرياض والورد والأزاهير
وصف الطبيعة :
تفوق الأندلسيون في ميدان وصف الطبيعة على شعراء المشرق ، وأتوا بالروائع الخالدة ؛ لما وهبهم الله من طبيعة ساحرة خلابة ، فقد كانت الأندلس من أغنى بقاع الدنيا منظراً وأوفرها جمالاً ، ولذا شُغِف الأندلسيون بها ، فأقبلوا يسرحون النظر في خمائلها ، ويستمتعون بمفاتنها ، فوصفوا الرياض والبساتين ، والأشجار والثمار ، والأزهار والطيور، ووصفوا السحاب والرعد ، والبرق والطيف ، والأنهار والبحار ، وقد وصفها ابن خفاجة بقوله :
يا أهـــل أنــدلــس لله دركـــــم مـاء وظـل وأشـجـار وأنـهـار
عوامل ازدهار شعر الطبيعة في الشعر الأندلسي : ( 1)
• ازدهار الحضارة العربية في الأندلس ازدهارا كبيرا وهذا الازدهار الذي شمل جميع جوانب الحياة الأندلسية.
• جمال الطبيعة الأندلسية التي افتتن بها شعراء الأندلس وتعلقوا بها وفصَّلوا في وصفها والتغني بمفاتنها.
• ازدهار مجالس الأنس والبهجة واللهو حيث كانت هذه المجالس تُعقدُ في أحضان الطبيعة .
أهم شعراء الطبيعة الأندلسية :
ابن خفاجة ، وابن زيدون، ابن رشيق، ابن شهيد ، وابن الزقاق ، والرصافي الرفاء ، وابن زمرك.
ولم يكن هؤلاء الشعراء وحدهم الذين فتنوا بالطبيعة، ولكننا نجد أكثر شعراء الأندلس يتجهون إلى الطبيعة ويتغنون بها، ووصل بهم الأمر إلى إضفاء الحياة عليها، وفي ذلك يقول الدكتور فوزي عيسى مبيناً أثر الطبيعة في شعراء الأندلس: "فتن شعراء الأندلس بطبيعة بلادهم، فتوافروا على وصفها، وأكثروا من التغني بمناظرها الجميلة، وعبروا عن كلفهم بها في لوحات شعرية بديعة، وتفننوا في هذا المجال تفنناً واسعاً حتى صار وصفهم للطبيعة من أهم الموضوعات التي طرقوها، وأحرزوا قصب السبق فيها على المشارقة "(2).
مظاهر وصف الطبيعة في الأندلس :
لم يترك الشاعر الأندلسي مظهر من مظاهر الطبيعة أحسه بحواسه وتفاعل معه بمشاعره إلا وصوره وأبدع التصوير ووصفه فأحسن الوصف فوصفوا :
1) الطبيعة الحية .
2) الطبيعة الصامتة ( القصور - الحدائق ) .
3 ) وصف الطبيعة كمقدمة لغرض آخر .
أولا : وصف الطبيعة الحية :
يوسف بن هارون يصف حمامة : (1)
أذاتَ الطَّوقِ في التَّغريدِ أشهى إلى أُذُني من الوَتر الفصيحِ
إذا هتفتْ علَـى غصـنٍ رفيــعٍ تنوْحٍ أوْ علَى غصنٍ مريحِ
تضـمُّ عليــه منـقــاراً ونـحــراً كما خرَّ الفجيعُ علَى الضَّريحِ
وقال محمد بن الحسين : (2)
قُمْريَّةٌ دعتِ الهَوَى فكأنَّمـا نطقَتْ وليس لها لسانٌ ناطقُ
غنَّتْ فحببتِ الأراكَ كأنَّما فوق الغُصونِ حبابةٌ ومخارقُ
ثانياً : وصف الطبيعة الصامتة :
أ) ومما يضاف إلى وصف الطبيعة اهتمامهم بوصف المباني والقصور الجميلة مثل الزهراء والزاهرة وما يلحق بها من بساتين ومن تماثيل على هيئة الأسود تقذف الماء من أفواهها إلى غير ذلك من مظاهر حضارية كانت تسحر الأبصار بروعتها وحسن إتقانها وتنوع طرائفها ، ومن ذلك قول محمد بن شخيص يصف مباني الزهراء : (3)
هذي مباني أمير المـؤمنين غـدتْ يُزري بها آخر الدُّنيا علَى الأُولِ
كذا الدَّراري وجدْنا الشَّمسَ أعظمَهـــا قدراً وإنْ قصُرتْ في العلْو عن زُحلِ
لقد جلا مصنعُ الزَّهراءِ عـن أثـرٍ موَّحدِ القدر عـن مثلٍ وعـنْ مثلِ
فاتت محـاسنهــا مجهود واصفهـــا فالقول كالسكت والإيجاز كالخطل
بل فضلها في مباني الأرض أجمعها كفضل دولــة بانيهـا على الــدول
كادت قسيَ الحنايـا أن تضـارعهـا أهلــة السعـــد لولا وصمة الأفـل
تألقـت فغـدا نقـصـانهـا كـمــــــلا وربمـا تنـقــص الأشيـاء بالكـمــل
كم عاشقين مـن الأطيـار مـا فـتـئـا فيهــا يرودان مـن روض إلى غلــل
.
وقال يوسف بن هارون واصفاً القصور: (1)
فيها مجالسُ مثلُ الحور قد فُرشتْ فيها الرِّياضُ ولم يحللْ بها مطَرُ
إلى سطوحِ ترى إفريزَها شَرَقاً مثلَ المرائي يُرى في مائها الصُّور
كأنَّما خَفرتْ منْ طول ما لُحظتْ فقد تعدَّى إلـى أبهائهـا الـخـفـــر
وقبةٌ مـا لها فـي حسنهـا ثمـنٌ لو أنَّه بيعَ فيها العزّ والـعـمـرُ
كأنَّمــا فُرشتْ بالـوردِ متّصــلاً في الفرْش فاتُّخذتْ منه لهـا أُزرُ
كأنَّما ذُعرتْ من خوفِ سقطتها في بحرها فبدا في لونها الذُّعر
بحـرٌ تفجّـَرَ مـن لَيثينِ مُلـتـطِــمٌ يا مَن رَأَى البحرَ مِن لَيثين ينفجرُ
ب) وصفوا الرياض بما فيه من خضرة وحمرة وصفرة وشذا وعبير , وهذا ابن خفاجة استولت على لبه الحدائق الفيح , والمروج الخضر, حيث كان يمرح ويلهوا مع أصدقاءه في جو بهيج, وشاركه الغصن هذا الإحساس والذي توج هذا الجمال ظهور الهلال بعد الغروب كأنه طوق من ذهب يزين برد الغمامة , حين ذاك وصف هذه اللوحة بقوله ..
واهتز عطف الغصن من طرب بنا
وافتر عن ثغر الهلال المغرب
فـكـأنـــه والـحـسـن مـقـتـرن بــه
طوق على برد الغمامة مذهب
قال مازن بن عمرو واصفاً الأزهار : (2)
وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ
ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها عيونٌ أجالَتْها بها الخــرَّدُ الخفـــْرُ
قال المصحّفي في وصف سوسنة:(3)
ياربّ سوسنــة قد بتُّ ألثُمُهــا وما لها غيرُ طعم المسك من ريق
مصفرة الوسْطِ مبيضّ جوانبها كأنهـا عـــاشقٌ في حِجْرِ معشُق
قال ابن خفاجة واصفاً نهراً في الأندلس: (1)
لله نهــرٌ ســال َفــي بطـحــــاءِ
أشهى وروداً من لمى الحسنـاءِ
مُتعطــفٌ مثــلَ الســوارِ كأنـــهُ
والزهـرُ يَكنُفُـه مَجَـرُّ سمـــاءِ
قد رق حتى ظُن قوسـاً مفرغـاً
من فضةٍ فـي بُـردةٍ خضـــراءِ
وغدت تُحف به الغصونُ كأنهـا
هُـدب تحـف بمقلـةٍ زرقــــاءِ
ولطالمـا عاطيـتُ فيــه مدامــــةً
صفراء تَخضبُ أيـديَ الندمـاءِ
والريحُ تعبثُ بالغصونِ وقد جرى
ذهبُ الأصيلِ على لُجينِ المــاءِ
وهذا ابن هاني الأندلسي يصف المطر قائلاً :(2)
ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نقـــــطُ
ما كانَ أحسنهُ لو كان يُلتقـطُ
أهدى الربيعُ إلينا روضةً أنفـاً
كما تنفسَ عن كافورهِ السفـطُ
غمائمٌ في نواحي الجو عالقـةٌ
حفلٌ تحدر منها وابـلٌ سبـطُ
بين السحابِ وبين الريحِ ملحمةٌ
معامعٌ وظبي في الجو تخترطُ
كأنه ساخطٌ يرضي على عجلٍ
فما يدومُ رضى منه ولا سخطُ
وكذلك أيضا قول ابن هذيل يصف تعانق قضبان الرياض عند هبوب الرياح :(3)
هبت لنا ريـــــح الصبا فتــعانقت
وإذا تألـف في أعـالـيـها النــــدى
وإذا التقت بالريح لم تبصر بهـــا
فكـأن عـذرة بيتهـا تحـكـي لـنــــا
تيـجـانهـا ظـل وفـي أعـنـاقـهـــــا
فـتـرشنـي منـه الصبـا فـكـأنــــــه
فذكرت جيدك في العناق وجيدي
مـالـت بـأعـنـاقٍ ولـطـف ِ قــدود
إلا خــدودا تـلـتـقـي بـخــــــدود
صفة الخضوع وحالة المعمــــود
مـنـه نــظــام قـلائـد وعـقـــــود
مـن مـاء ورد لـيـس للتـصـعـيـــد
وصف الطبيعة كمقدمة لغرض آخر : (1)
لعل أشهر قصيدة في هذا المجال هي رائية أبي بكر بن عمار في مدح المعتضد بن عباد إلا أنها لم تنل شهرتها الكبيرة لأنها مجرد قصيدة مدح بل لأنها ضرب متجدد من ضروب المديح الذي استهل بشيء طريف ، وهذا الطريف هو وصف الطبيعة بصورته البهيجة الذي حلّ محل الأطلال والدمن بصورتها الكئيبة . يقول ابن عمار :
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى
والنجم قد صرف العِنَانَ عن السُّرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره
لـمـا اسـتـرد اللـيـل منـا العـنبــرا .
هكذا افتتح قصيدته بوصف الطبيعة حتى وصل إلى مدح ابن عباد حيث قال :
عــبــادٌ المخضـرُّ نائـلُ كـفّـــــهِ
والجو قد لبس الرداء الاخضرا
أندى على الأكباد من قطر النــدى
أثمرت رمحك من رءوس ملوكهم
وألذ في الأجفان من سِنَةِ الكرى
لما رأيت الغصن يعشق مثمـرا
ولقد اقتحمت الطبيعة في الأندلس ميدانا من ميادين الشعر يبدو للمرء ألا رباط بينهما ، ونعني به ميدان القول في الشكوى والتحسر ، فالطبيعة بسمة ومتعة وأمل وإشراق ، والشكوى حسرة ويأس وكآبة وحزن ولكن الشاعر الأندلسي الموهوب استطاع أن يجمع بين الضدين ، وأن يؤلف بين النقيضين ، كما نرى عند ابن زيدون في رائيته الرقيقة :
عذري إن عذلت في خلع عذري غصن أثمرت ذراه ببدر
والذي يعنينا من هذه القصيدة قول الشاعر :
ليت شعري والنفس تعلم أن ليـ ـس بمجد على الفتى : ليت شعري
هل لخالي زماننا من رجــــوع أم لمـاضي زماننــــا مــن مـكـــر
أيــن أيــامـنـــــا وأيــن ليـــــال كـريــاض لبسـن أفـواف زهــــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مزج الطبيعة بفنون الشعر المختلفة: (1)
مزج الغزل بالطبيعة أمر مألوف وخير من فعل ذلك من الشعراء بن زيدون وعبر عن مشاعره لولادة بقافيه بعثها إليها وهو مختبئ في الزهراء :(2)
إنـي ذكـرتـك بالـزهـراء مشتـاقــــــا
والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وللـنـسـيــم اعـتــلال فــي اصائلـــه
كـأنــه رق لـي فـاعـتـل اشـفـاقـــــا
والروض عن مائه الفضي مبتسم
نلهو بما يستميـل العين مـن زهـر
كـأن أعينــه إذ عـأيـنـت أرقــي
ورد تـألــق فـي ضاحـي منـابتـــه
سـرى يـنـافـحـه نـيـلـوفــر عـبــق
كـل يـهيـج لنـا ذكــرى تشـوقـنـــا
لا سـكـن الله قـلـبـا عـق ذكـركــم
لو شاء حملي نسيم الصبح حين سرى
كمـا شـقـقـت عـن اللبات أطواقــا
جال الندى فيه حتى مـال أعناقـا
بكت لما بي فجال الدمع رقراقــا
فازداد منه الضحى في العين إشراقا
وسنـان نبـه منـه الصبـح أحداقــا
إليك لم يعد عنها الصدر إذ ضاقا
فلـم يـطـر بجنـاح الشـوق خفاقــا
وافـاكـم بـفـتـى أضنـاه مـا لاقــى
ومن ذلك أيضا قول ابن شهيد :
خليليَّ ما انفكّ الأسى منذ بينهــــم حبيبيَ حتى حلّ بالقلب فاختطــــا
أريد دُنُوا من خليلي وقد نـــــــأى وأهوى اقترابا من مزار وقد شطا
سعى في قياد الريح يسمح للصبا فألقت على غير التلاع بـه مرطــا
وعنـت لـه ريـح تساقــط قطــره كما نثرت حسناء من جيدها سمطا
ومن الطريف في الأمر أن الأندلسيين لتعلقهم بشعر الطبيعة إلى حد الشطط والهوس جعلوا يطعمون المراثي بشعر الطبيعة فبينما تقرأ مرثية لفقيد وتتوقع أن تسمع أنات محزون وغصص مكلوم إذ بك تسمع أبياتا في وصف الرياض والورد والأزاهير
وصف الطبيعة :
تفوق الأندلسيون في ميدان وصف الطبيعة على شعراء المشرق ، وأتوا بالروائع الخالدة ؛ لما وهبهم الله من طبيعة ساحرة خلابة ، فقد كانت الأندلس من أغنى بقاع الدنيا منظراً وأوفرها جمالاً ، ولذا شُغِف الأندلسيون بها ، فأقبلوا يسرحون النظر في خمائلها ، ويستمتعون بمفاتنها ، فوصفوا الرياض والبساتين ، والأشجار والثمار ، والأزهار والطيور، ووصفوا السحاب والرعد ، والبرق والطيف ، والأنهار والبحار ، وقد وصفها ابن خفاجة بقوله :
يا أهـــل أنــدلــس لله دركـــــم مـاء وظـل وأشـجـار وأنـهـار
عوامل ازدهار شعر الطبيعة في الشعر الأندلسي : ( 1)
• ازدهار الحضارة العربية في الأندلس ازدهارا كبيرا وهذا الازدهار الذي شمل جميع جوانب الحياة الأندلسية.
• جمال الطبيعة الأندلسية التي افتتن بها شعراء الأندلس وتعلقوا بها وفصَّلوا في وصفها والتغني بمفاتنها.
• ازدهار مجالس الأنس والبهجة واللهو حيث كانت هذه المجالس تُعقدُ في أحضان الطبيعة .
أهم شعراء الطبيعة الأندلسية :
ابن خفاجة ، وابن زيدون، ابن رشيق، ابن شهيد ، وابن الزقاق ، والرصافي الرفاء ، وابن زمرك.
ولم يكن هؤلاء الشعراء وحدهم الذين فتنوا بالطبيعة، ولكننا نجد أكثر شعراء الأندلس يتجهون إلى الطبيعة ويتغنون بها، ووصل بهم الأمر إلى إضفاء الحياة عليها، وفي ذلك يقول الدكتور فوزي عيسى مبيناً أثر الطبيعة في شعراء الأندلس: "فتن شعراء الأندلس بطبيعة بلادهم، فتوافروا على وصفها، وأكثروا من التغني بمناظرها الجميلة، وعبروا عن كلفهم بها في لوحات شعرية بديعة، وتفننوا في هذا المجال تفنناً واسعاً حتى صار وصفهم للطبيعة من أهم الموضوعات التي طرقوها، وأحرزوا قصب السبق فيها على المشارقة "(2).
مظاهر وصف الطبيعة في الأندلس :
لم يترك الشاعر الأندلسي مظهر من مظاهر الطبيعة أحسه بحواسه وتفاعل معه بمشاعره إلا وصوره وأبدع التصوير ووصفه فأحسن الوصف فوصفوا :
1) الطبيعة الحية .
2) الطبيعة الصامتة ( القصور - الحدائق ) .
3 ) وصف الطبيعة كمقدمة لغرض آخر .
أولا : وصف الطبيعة الحية :
يوسف بن هارون يصف حمامة : (1)
أذاتَ الطَّوقِ في التَّغريدِ أشهى إلى أُذُني من الوَتر الفصيحِ
إذا هتفتْ علَـى غصـنٍ رفيــعٍ تنوْحٍ أوْ علَى غصنٍ مريحِ
تضـمُّ عليــه منـقــاراً ونـحــراً كما خرَّ الفجيعُ علَى الضَّريحِ
وقال محمد بن الحسين : (2)
قُمْريَّةٌ دعتِ الهَوَى فكأنَّمـا نطقَتْ وليس لها لسانٌ ناطقُ
غنَّتْ فحببتِ الأراكَ كأنَّما فوق الغُصونِ حبابةٌ ومخارقُ
ثانياً : وصف الطبيعة الصامتة :
أ) ومما يضاف إلى وصف الطبيعة اهتمامهم بوصف المباني والقصور الجميلة مثل الزهراء والزاهرة وما يلحق بها من بساتين ومن تماثيل على هيئة الأسود تقذف الماء من أفواهها إلى غير ذلك من مظاهر حضارية كانت تسحر الأبصار بروعتها وحسن إتقانها وتنوع طرائفها ، ومن ذلك قول محمد بن شخيص يصف مباني الزهراء : (3)
هذي مباني أمير المـؤمنين غـدتْ يُزري بها آخر الدُّنيا علَى الأُولِ
كذا الدَّراري وجدْنا الشَّمسَ أعظمَهـــا قدراً وإنْ قصُرتْ في العلْو عن زُحلِ
لقد جلا مصنعُ الزَّهراءِ عـن أثـرٍ موَّحدِ القدر عـن مثلٍ وعـنْ مثلِ
فاتت محـاسنهــا مجهود واصفهـــا فالقول كالسكت والإيجاز كالخطل
بل فضلها في مباني الأرض أجمعها كفضل دولــة بانيهـا على الــدول
كادت قسيَ الحنايـا أن تضـارعهـا أهلــة السعـــد لولا وصمة الأفـل
تألقـت فغـدا نقـصـانهـا كـمــــــلا وربمـا تنـقــص الأشيـاء بالكـمــل
كم عاشقين مـن الأطيـار مـا فـتـئـا فيهــا يرودان مـن روض إلى غلــل
.
وقال يوسف بن هارون واصفاً القصور: (1)
فيها مجالسُ مثلُ الحور قد فُرشتْ فيها الرِّياضُ ولم يحللْ بها مطَرُ
إلى سطوحِ ترى إفريزَها شَرَقاً مثلَ المرائي يُرى في مائها الصُّور
كأنَّما خَفرتْ منْ طول ما لُحظتْ فقد تعدَّى إلـى أبهائهـا الـخـفـــر
وقبةٌ مـا لها فـي حسنهـا ثمـنٌ لو أنَّه بيعَ فيها العزّ والـعـمـرُ
كأنَّمــا فُرشتْ بالـوردِ متّصــلاً في الفرْش فاتُّخذتْ منه لهـا أُزرُ
كأنَّما ذُعرتْ من خوفِ سقطتها في بحرها فبدا في لونها الذُّعر
بحـرٌ تفجّـَرَ مـن لَيثينِ مُلـتـطِــمٌ يا مَن رَأَى البحرَ مِن لَيثين ينفجرُ
ب) وصفوا الرياض بما فيه من خضرة وحمرة وصفرة وشذا وعبير , وهذا ابن خفاجة استولت على لبه الحدائق الفيح , والمروج الخضر, حيث كان يمرح ويلهوا مع أصدقاءه في جو بهيج, وشاركه الغصن هذا الإحساس والذي توج هذا الجمال ظهور الهلال بعد الغروب كأنه طوق من ذهب يزين برد الغمامة , حين ذاك وصف هذه اللوحة بقوله ..
واهتز عطف الغصن من طرب بنا
وافتر عن ثغر الهلال المغرب
فـكـأنـــه والـحـسـن مـقـتـرن بــه
طوق على برد الغمامة مذهب
قال مازن بن عمرو واصفاً الأزهار : (2)
وروضةُ تدمارٍ يروقُكَ حسنُها عليها رياطُ الوَشْي والحللُ الصُّفْرُ
ترى زَهراتِ النَّوْرِ فيها كأنَّها عيونٌ أجالَتْها بها الخــرَّدُ الخفـــْرُ
قال المصحّفي في وصف سوسنة:(3)
ياربّ سوسنــة قد بتُّ ألثُمُهــا وما لها غيرُ طعم المسك من ريق
مصفرة الوسْطِ مبيضّ جوانبها كأنهـا عـــاشقٌ في حِجْرِ معشُق
قال ابن خفاجة واصفاً نهراً في الأندلس: (1)
لله نهــرٌ ســال َفــي بطـحــــاءِ
أشهى وروداً من لمى الحسنـاءِ
مُتعطــفٌ مثــلَ الســوارِ كأنـــهُ
والزهـرُ يَكنُفُـه مَجَـرُّ سمـــاءِ
قد رق حتى ظُن قوسـاً مفرغـاً
من فضةٍ فـي بُـردةٍ خضـــراءِ
وغدت تُحف به الغصونُ كأنهـا
هُـدب تحـف بمقلـةٍ زرقــــاءِ
ولطالمـا عاطيـتُ فيــه مدامــــةً
صفراء تَخضبُ أيـديَ الندمـاءِ
والريحُ تعبثُ بالغصونِ وقد جرى
ذهبُ الأصيلِ على لُجينِ المــاءِ
وهذا ابن هاني الأندلسي يصف المطر قائلاً :(2)
ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نقـــــطُ
ما كانَ أحسنهُ لو كان يُلتقـطُ
أهدى الربيعُ إلينا روضةً أنفـاً
كما تنفسَ عن كافورهِ السفـطُ
غمائمٌ في نواحي الجو عالقـةٌ
حفلٌ تحدر منها وابـلٌ سبـطُ
بين السحابِ وبين الريحِ ملحمةٌ
معامعٌ وظبي في الجو تخترطُ
كأنه ساخطٌ يرضي على عجلٍ
فما يدومُ رضى منه ولا سخطُ
وكذلك أيضا قول ابن هذيل يصف تعانق قضبان الرياض عند هبوب الرياح :(3)
هبت لنا ريـــــح الصبا فتــعانقت
وإذا تألـف في أعـالـيـها النــــدى
وإذا التقت بالريح لم تبصر بهـــا
فكـأن عـذرة بيتهـا تحـكـي لـنــــا
تيـجـانهـا ظـل وفـي أعـنـاقـهـــــا
فـتـرشنـي منـه الصبـا فـكـأنــــــه
فذكرت جيدك في العناق وجيدي
مـالـت بـأعـنـاقٍ ولـطـف ِ قــدود
إلا خــدودا تـلـتـقـي بـخــــــدود
صفة الخضوع وحالة المعمــــود
مـنـه نــظــام قـلائـد وعـقـــــود
مـن مـاء ورد لـيـس للتـصـعـيـــد
وصف الطبيعة كمقدمة لغرض آخر : (1)
لعل أشهر قصيدة في هذا المجال هي رائية أبي بكر بن عمار في مدح المعتضد بن عباد إلا أنها لم تنل شهرتها الكبيرة لأنها مجرد قصيدة مدح بل لأنها ضرب متجدد من ضروب المديح الذي استهل بشيء طريف ، وهذا الطريف هو وصف الطبيعة بصورته البهيجة الذي حلّ محل الأطلال والدمن بصورتها الكئيبة . يقول ابن عمار :
أدر الزجاجة فالنسيم قد انبرى
والنجم قد صرف العِنَانَ عن السُّرى
والصبح قد أهدى لنا كافوره
لـمـا اسـتـرد اللـيـل منـا العـنبــرا .
هكذا افتتح قصيدته بوصف الطبيعة حتى وصل إلى مدح ابن عباد حيث قال :
عــبــادٌ المخضـرُّ نائـلُ كـفّـــــهِ
والجو قد لبس الرداء الاخضرا
أندى على الأكباد من قطر النــدى
أثمرت رمحك من رءوس ملوكهم
وألذ في الأجفان من سِنَةِ الكرى
لما رأيت الغصن يعشق مثمـرا
ولقد اقتحمت الطبيعة في الأندلس ميدانا من ميادين الشعر يبدو للمرء ألا رباط بينهما ، ونعني به ميدان القول في الشكوى والتحسر ، فالطبيعة بسمة ومتعة وأمل وإشراق ، والشكوى حسرة ويأس وكآبة وحزن ولكن الشاعر الأندلسي الموهوب استطاع أن يجمع بين الضدين ، وأن يؤلف بين النقيضين ، كما نرى عند ابن زيدون في رائيته الرقيقة :
عذري إن عذلت في خلع عذري غصن أثمرت ذراه ببدر
والذي يعنينا من هذه القصيدة قول الشاعر :
ليت شعري والنفس تعلم أن ليـ ـس بمجد على الفتى : ليت شعري
هل لخالي زماننا من رجــــوع أم لمـاضي زماننــــا مــن مـكـــر
أيــن أيــامـنـــــا وأيــن ليـــــال كـريــاض لبسـن أفـواف زهــــر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مزج الطبيعة بفنون الشعر المختلفة: (1)
مزج الغزل بالطبيعة أمر مألوف وخير من فعل ذلك من الشعراء بن زيدون وعبر عن مشاعره لولادة بقافيه بعثها إليها وهو مختبئ في الزهراء :(2)
إنـي ذكـرتـك بالـزهـراء مشتـاقــــــا
والأفق طلق ومرأى الأرض قد راقا
وللـنـسـيــم اعـتــلال فــي اصائلـــه
كـأنــه رق لـي فـاعـتـل اشـفـاقـــــا
والروض عن مائه الفضي مبتسم
نلهو بما يستميـل العين مـن زهـر
كـأن أعينــه إذ عـأيـنـت أرقــي
ورد تـألــق فـي ضاحـي منـابتـــه
سـرى يـنـافـحـه نـيـلـوفــر عـبــق
كـل يـهيـج لنـا ذكــرى تشـوقـنـــا
لا سـكـن الله قـلـبـا عـق ذكـركــم
لو شاء حملي نسيم الصبح حين سرى
كمـا شـقـقـت عـن اللبات أطواقــا
جال الندى فيه حتى مـال أعناقـا
بكت لما بي فجال الدمع رقراقــا
فازداد منه الضحى في العين إشراقا
وسنـان نبـه منـه الصبـح أحداقــا
إليك لم يعد عنها الصدر إذ ضاقا
فلـم يـطـر بجنـاح الشـوق خفاقــا
وافـاكـم بـفـتـى أضنـاه مـا لاقــى
ومن ذلك أيضا قول ابن شهيد :
خليليَّ ما انفكّ الأسى منذ بينهــــم حبيبيَ حتى حلّ بالقلب فاختطــــا
أريد دُنُوا من خليلي وقد نـــــــأى وأهوى اقترابا من مزار وقد شطا
سعى في قياد الريح يسمح للصبا فألقت على غير التلاع بـه مرطــا
وعنـت لـه ريـح تساقــط قطــره كما نثرت حسناء من جيدها سمطا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى